يستخدم الله كلماته ليدين الإنسان ويطهّره خلال عمله في الأيام الأخيرة. لا يستطيع أن يتبع خطواته سوى أولئك الذين يصغون بعناية إلى كلماته وصوته.

الخميس، 6 ديسمبر 2018

لماذا لا تريد أن تكون متباينًا؟


لماذا لا تريد أن تكون متباينًا؟
    يقول الله القديرأولئك الذين يخضعهم الله هم متباينونوفقط بعد أن يُكمَّلوا من شأنهم أن يصبحوا نماذج وعيّنات لعملِ الأيام الأخيرة. وقبل أن يُكمَّلوا هم ليسوا إلا متباينين، وكذلك أدواتٍ ووسائل للخدمة. أما هؤلاء الذين أخضعهم الله بصورة كاملة فهم بلورةُ ونماذجُ وعيّناتُ خطةِ تدبيرِه. هذه ليست إلا بعض الألقاب المتواضعة لأناسٍ يخبرون بكثيرٍ مِن القصص الممتعة. قليلو الإيمان بينكم سيجادلون دائماً فيما يخص لقباً غير مهمٍّ إلى أن يخجلوا، وفي بعض الأحيان سَتَدَعون هذا الأمر يؤثر على علاقتنا. وعلى الرغم من أنكم تعتقدون وتؤمنون أن هذا مجرّد لقبٍ صغير، إلا أنه ليس بلقبٍ صغيرٍ إنما أمراً مهمّاً يخصّ مصيركم.
غالباً ما سيعاني الحمقى من خسارة كبيرة تخصّ أمراً صغيراً كهذا، فالحرص على القليل وتبذير الكثير سيجعلكم تعودون فارغين بسببِ لقبٍ صغيرٍ. هذا لأنكم لا تولون الحياة أهمية وتعطون ما تلقَّبون به الكثير من القيمة. ففي حياتكم الروحية وحتى العملية غالباً ما ستقومون بتأليف العديد من القصص الملتوية والغريبة بسبب مفهومكم عن المكانة. ولربما لن تعترفوا بهذا إلا أنني سأخبركم بأن هؤلاء الأشخاص موجودون بالفعل في حياتكم العملية. الأمر فقط أنكم لم تنكشوا واحد تلو الآخر. فمثل هذه الأمور قد حدثت في حياة كل منكم. وإن كنت لا تصدّق ذلك فما عليك إلا إلقاء نظرة على القصة القصيرة أدناه من حياة أخت (أو أخ). ومن المحتمل أن يكون هذا الشخص في الواقع أنت، أو ربما شخصاً تعرفه في حياتك. وإذا لم أكن مخطئاً، فهذه القصة القصيرة هي تجربة مررتَ بها ولم يُفقَد في وصفها شيءٌ أو تُترك أيةُ خاطرة أو فكرة دون أن تدوّنها القصة بالتّمام. وإن كنت غير مصدّقٍ لهذا، القِ نظرةً فحسب.

     دُوِّنَت هنا هذه الخبرة المتواضعة “لسيّدةٍ روحيّة". عندما ذهبت إلى الكنيسة وعاينت حالةَ أخوتها وأخواتها، الأمر الذي جعلها تشعر بالقلق، فقالت: "لماذا لا تُرضون مشيئة الله؟ (أنّبت إخوتها وأخواتها). تتجاهلون في الواقع ضمائركم لتقترفوا أعمالاً وحشية... ما أقوله لكم تكرهه نفسي أيضاً. أرى الله يفقد صبره وأشعر بالنار تستعر تحتي. أنا حقاً على استعداد لتنفيذ عمل الله بشكل كامل وأريدكم أن تَسمُوا بواسطة خدمتي. لكنَّ مقدرتي في الوقت الحالي ضعيفة جداً. لقد صرف الله علينا الكثير من الوقت، وتفوّه لأجلنا كلماتٍ كثيرة، ولكننا ما زلنا نسيرُ على هذا النحو. أشعر في قلبي دائماً أني مديونة لله كثيراً.." (بكت ولم تقدر على الاستمرار في الحديث). ثم صلّت: "يا الله! أتوسّل إليك أن تهبني قوّة وبالأكثر تقودني ليعمل روحُك فيّ. أنا مستعدّة للعمل معك. وأنا مستعدّة الآن أنْ أسلّمَك كلَّ نفسي طالما ستتمجّد أنت في النهاية، حتى وإن عنى ذلك أن أضَحِّي بحياتي لأجلك. أنا مستعدّة[1] لذلك طالما أننا سنرفعُ لك تسبيحاتٍ عظيمة، ويرنّمُ لك الأخوة والأخوات ويرقصون بابتهاج ليسبّحوا اسمك القدّوس ويمجّدوك ويعلنوك ويثقوا في عملك ويكونوا مستعدّين لحملِ نيرِك...". صلّت هكذا بإلحاحٍ، وثقّلَ الروحُ القدس حقاً من كاهلها. فخلال هذا الوقت كانت مُثَقَّلة جداً، وقضت وقتها كله في القراءة والكتابة والاستماع. كانت منهمكة بطريقة لم تعهدها قبلاً، متمتّعةً بحالةٍ روحية ممتازة وكانت في قلبها نشطة ومُثقّلة على الدوام. وكانت من وقت لآخر ضعيفة تشعر أنها أمام طريق مسدود، غير أنها استعادت وضعها الطبيعي في وقت يسير. وبعد فترة مشابهة أصبح تقدّمها سريعاً. استطاعت أن تفهم الكثير من كلمات الله وتعلّمت الترانيم أيضاً بشكل سريع. وبصورة عامة تمتّعت بحالة روحية ممتازة. انتابها القلق عندما عرفت أنَّ الكثيرَ مما يحدث في الكنيسة لا يتماشى مع مشيئة الله. وشعرت بالخيبة عندما اكتشفت أن لا أحد يصغي للأشرطة الصوتية بكل قلبه، وقالت: "أهكذا يكون التفاني في عمل الله؟ أيرضي هذا الأمرُ إرادتَه؟ ألا تستطيعون حتى دفع ثمنٍ زهيدٍ محدّدٍ كهذا؟ إن كنتم لا تريدون فعل هذا فأنا من سيفعله..."

   كانت الأمور تتحسّن كلما عمل الروح القدس ليخفّف من أعبائها. كانت تواجه أحياناً بعض الصعوبات والسلبية، لكنها استطاعت التغلب عليهم. أي أنها عندما كانت تختبر عمل الروح القدس لم تستطع تجنّب بعض الصعوبات بعينها أو قليلاً من الضعف، حتى عندما كانت أحوالها تسير على ما يرام. فهذا أمرٌ لا مفرّ منه، غير أنها استطاعت الخروج من هذه الحالة في وقت يسير. وإذ كانت تمرّ بفترات ضعفٍ، كانت كلما تصلّي تشعر حقاً بأن قامتها ليست كافية، لكنها كانت مستعدّة للتعاون مع الله. بغض النظر عما فعله الله، كانت على استعداد لإرضاء مشيئته، ولطاعة كل ترتيبات الله. كان هناك بعض الناس ممن تحيّزوا ضدها بأفكارهم. لكنها استطاعت أن تضع نفسها جانباً وتبادر بالاشتراك معهم. كانت هذه حالتها أثناء العمل الطبيعي للروح القدس. ولكن بعد فترة من الزمن بدأ العمل يتغير، ودخل الناس كلهم في مرحلة أخرى من العمل كانت لها متطلبات مختلفة. ولهذا أُعطِيَت كلماتٌ جديدة رفعت مستوى المتطلبات من الناس: "... أنا لديَّ فقط البغض لكم، قطعاً لا البركات. لم أفكر في مباركتكم أو جعلكم كاملين. فكل ما أضمره لكم هو البغض. هذا لأنكم متمرّدون، مُلتوون وخادعون وعاجزون وأدنياء. ولذلك لم تلحظكم عيناي أبدًا إذ كنتم خارج قلبي. نيّتي في عملي هي أن أدينكم. أنتم دائمًا في متناول يدي ولم تكونوا بعيدين عن تأديبي. استمرّيتُ بإدانتكم ولعنكم لأنكم لم تفهموني. ولهذا حلّ غضبي عليكم دائماً. على الرغم من أنني عملت دائماً بينكم، عليكم أن تعرفوا موقفي تجاهكم، ألا وهو الاشمئزاز، لا موقف أو رأي آخر لي. أريدكم أن تعملوا كأشخاص متباينين لحكمتي وقوّتي العظيمة. لستم إلا متباينين لأن بِرّي يظهر في عصيانكم. أريدكم أن تكونوا متباينين لعملي، لتكونوا زوائد لعملي..."وما أن وقعت عيناها على كلِمَتَي[2] "متباينين" و "زوائد"، ابتدأت تفكّر: "كيف لهذا أن يجعلني تابعاً؟ ألا زلتُ متباينًا حتى بعد أن دفعتُ ثمناً كهذا. أليس المتباين مجرّد عامل خدمة؟ قيل لنا في الماضي إننا لن نكون عاملي خدمة، إنما شعباً لله، إنما اليوم، ألسنا ما نزال نقوم بنفس العمل؟ ألا يفتقر عاملو الخدمة إلى الحياة؟ لن يَمتدح اللهُ ألمي حتى وإن بقيت أتألم. وإن توقّفت عن أن أكون متباينًا من أجل قوّة الله العظيمة، ألن ينتهي الأمرُ هنا؟... " وكلما أكثرتِ التفكيرَ بهذا شعرتْ بالاكتئاب أكثر. فجاءت إلى الكنيسة ورأت أحوال إخوتها وأخواتها فشعرت بالسوء أكثر. قالت لهم: "لستم على ما يرام! وأنا لست على ما يرام! ينتابني شعورٌ سلبي. أُف! ماذا يمكن فعله؟ لا يريدنا الله بعد. إذا استمرّينا في هذا النوع من العمل، فلا مفر من ألا يجعلنا الله سلبيين. لا أعرف مَكمَنَ خطئي ولا أريد حتى أن أصلي. أنا لست على ما يرام الآن، ولا أستطيع الخروج من هذه الحالة. صلّيت مراراً وفشلت، ولست مستعدّة للمُضي قُدُماً." إني أرى الأمر على هذه الصورة: الله يقول إننا متباينين، أوليس "المتباينون" عاملي خدمة فحسب؟ يقول الله إننا متباينون، ولسنا بأبنائه أو حتى بشعبه. لسنا بأبنائه، لا بل أقلّ بكثير من أبنائه البكر. لسنا بشيء، مجرد متباينين. هل يمكننا بعد هذا التوصيف لنا أن نحصل على نتيجة إيجابية؟ ليس للمتباين رجاء لأنْ لا حياةَ لهم. إن كنا أبناؤه وشعبه، كان سيكون لنا رجاءٌ وكان يمكن أن نصبح كاملين. هل يمكن للمتباينين أن يمتلكوا حياة الله فيهم؟ هل يمكن لله أن يضع حياة في هؤلاء الذين يعملون خدمة له؟ الذين يحبهم الله يحصلون على حياته، والذين يحصلون على حياته هم أبناؤه وشعبه. وعلى الرغم من أنني سلبية وضعيفة، رجائي أن لا تكونوا جمعيكم سلبيين. فأنا أعلم أنَّ التراجعَ والسلبيةَ بهذا الشكل لا يمكنهما إرضاءُ مشيئة الله، ولكني لا أقبل أن أكون متباينًا. لست خائفة أن أكون متباينًا. فعلى أي حال، ليس لدي من الطاقة الكثير ولا أستطيع الاستمرار الآن. آملُ أنكم جميعًا لا تتعلّموا مني إنما أن تستنيروا بسببي. لربّما أموت! ولكني سأترككم مع بعض الكلمات الأخيرة قبل موتي ورجائي هو أن يكون باستطاعتكم أن تعملوا كمتباينين حتى النهاية، لعلَّ الله في النهاية يمتدح المتباينين..." وحالما سمع الإخوة والأخوات هذا تساءلوا[3]: لماذا تشعر بكل هذه السلبية؟ ألم تكن على ما يرام في الأيام المنصرمة؟ لماذا أصبحت باردة فجأة؟ لماذا لا تتصرّف بشكل طبيعي؟ فقالت: "لا تقولوا بأني لست على طبيعيتي. في الواقع، أنا صريحة عما أشعر به في قلبي. أعرف أني لم أرضِ مشيئة الله، أوليس هذا لأني لا أقبل بأن أتصرف كمتباينة له؟ لم أفعل أمراً آخر خطيرًا. ربّما يأتي يومٌ يغيّرُ الله فيه لقب[4] المتباينين إلى مخلوقاته التي يستخدمها بطرقٍ مهمّة. أليس هناك من أملٍ في هذا؟ رجائي أن لا تكونوا سلبيين أو مغمومين لتقدروا على الاستمرار باتباع الله وتصبحون بمتباينين أفضل. على كل حال، لا يمكنني أن أستمرّ قُدُماً". سمع أشخاص آخرون ذلك وقالوا[5]: سنتّبع الله على الرغم من أنك لست بخير، ولن نُعاق بسبب سلبيتك.

    بعد انقضاء هذه الفترة كانت هي لا تزال تشعر بالسلبية لكونها متباينة. فقلتُ لها: "أنت لا تفهمين عملي ولا تفهمين الحقيقة الخفية أو النتائج المرجوّة أو جوهر كلماتي. لا تعرفين حكمة عملي وأهدافه. ولا حتى تدركين مشيئتي. كل ما تعرفينه هو أن تتراجعي لأنك متباينة فرغبتك في الحصول على مكانة مرموقة هي رغبة كبيرة جداً! أنت غبية! لقد قلت الكثير لك في الماضي، وأخبرتك أني سأكمِّلُكِ، هل نسيتِ؟ حتى قبل الحديث عن التباين، ألم أتحدث معك عن أني سأجعلك كاملة؟" "انتظرْ، سأفكّر في الأمر! قبل الحديث عن التباين كنتَ أنت في الواقع قد قلتَ إنّ الأمر كان على ذلك النحو!" "عندما تكلّمتُ عن تكميلِكِ، ألم أقل إن الناس سيُكَمَّلون بعد أن يخضعوا؟" "نعم!" "ألم تكن كلماتي صادقة؟ ألم تُقَلْ بحسن نيّة؟" "نعم! أنت إلهٌ لم يقلْ أبداً إلا الصدق ولا أحد يجرؤُ على إنكار هذا. لكنك تتكلّم بطرقٍ عديدة". "ألا تتغيّر طرُقُ حديثي وفقاً لخطوات العمل؟ أليس ما أقول إنما أقوله وأفعله بحسب احتياجاتِك؟" "أنتَ تعمل وفقاً لاحتياجات الناس وتسدّ عوزهم. هذا صحيح!" "ثمّ ألم يكن كلامي، أي ما قُلتُه لكِ نافعاً؟ ألم تكن تأديباتي لأجل مصلحتك؟" "لا زلتَ تقولُ إنها كانت لأجل مصلحتي! أنا على وشك أنْ أؤَدَّب حتى الموت ولا أريد العيش أكثر. تقول اليوم أمراً، وغداً تقولُ أمراً آخرَ. أعلمُ أن تكميلك لي هو من أجل مصلحتي الخاصة، لكنك لم تجعلني كاملةً بعد، إنما تجعلني متباينًا ولا زلت تؤدّبني. ألا تبغضني؟ لا أحد يجرؤ على تصديق كلماتك، والآن فقط رأيت جليّاً أنك تفعل هذا لتبدّد البغض الذي في قلبك، وليس لخلاصي. أخفيت هذا عني قبلاً، قلت إنك ستكمّلني وأن التأديب كان لجعلي كاملةً. لذلك أطعت تأديباتك دائماً، ولم أتخيّل أن أُلقَّب اليوم بالتباين. ألم يكن من الأفضل يا الله أن تجعلني أي شيء آخر؟ أكان عليك أن تجعلني ألعب دورَ المتباين؟ كان يكفيني أن أكون حارسةَ بوابة السماء. فأنا أدبُرُ جيئةً وذهاباً ويداي الآن فارغتان. بذلتُ كل شيء، ولا زلتَ تطلب مني التصرّف كشخص متباين. كيف يمكنني حتى إظهار وجهي؟" "قمتُ بالكثير من أعمال التأديبات في الماضي، ألا تفهمي ذلك؟ ألا تفهمي نفسك؟ أليس التأديب هو دينونةُ الكلمات؟ أليس لقب "التباين" أيضاً هو دينونة الكلمات؟" "بقولك هذا، أصبح المتباينون الذين تتكلّم عنهم أيضاً بمثابة منهج؟ أتريد الحكم علي من خلال هذا الأمر؟ إن كان الحال كذلك فسأتبعك." "كيف إذن ستتبعيني الآن؟" "أتبعك؟ لم أخطط بعد لاتباعك. أريدك أن تتفوّه بكلمة لا تعتبرُ منهجًا. هل أنا متباين أم لا؟ أيمكن للمتباينين أن يُكمَّلوا؟ أيمكن تغيير كلمة "تباين"؟ أيمكنني أن أصبح شاهدةً مُفَوّهة بواسطة كوني متباينًا، وبعد ذلك أصيرُ شخصاً كاملاً، أي نموذجاً لمحبة الله ومحبوبةً منه؟ أيمكنني أن أصبح كاملةً؟ أخبرني بالحقيقة!" "ألا تعلمين أن الأمور في تطوّر وتغيّر مستمر؟ وطالما كنت على استعداد الآن أن تقبلي بأن تكون متباينة سيكون بمقدورك أن تتغيّري. سواء كنت أو لم تكوني متباينة، هذا لا علاقة له بمصيرك، الأمر الأساسي هو في أن تكوني أو لا تكوني شخصاً قد غيّر مجرى حياته." "قل لي! أيمكنك أن تجعلني كاملةً أم لا؟" "إنني أضمنُ أن أجعلكِ كاملةً طالما إنك اتبعتني وأطعتني حتى النهاية." "وما نوع الألم الذي عليّ اختباره؟" "عليك اختبار الشدائد إلى جانب الدينونة وتأديب الكلمات، وتحديدًا تأديب الكلمات، وهذا نفس التأديب الذي تختبرينه كمتباينة!" "نفس التأديب كمتباينة أيضاً؟ ولكن إنْ كان هناك أملٌ أن أكون قادرةً على أن أصبح كاملةً بتحمّلي الشدائد فأنا موافقة. وإن كان هذا مجرّد بصيص أمل فهذا أفضل لي من أن أكون متباينة. لقب " متباينة " يبدو سيئاً جداً. لست على استعداد بأن أكون متباينة." "أين مكمن الخطأ في أن تكوني متباينة؟ أليس المتباينون جيدون جداً؟ ألا يستحقّ المتباينون الاستمتاع بالبركات؟ إذا ما قلت إن الأشخاص المتباينين يمكنهم الاستمتاع بالبركات فسيكون بمقدرتكِ الاستمتاع بالبركات. ألا تتغيّر ألقاب الناس بسبب عملي؟ أيزعجكِ كثيراً لقبٌ كهذا؟ أن تكوني متباينة هكذا لهوَ أمرٌ محمود. هل أنتِ على استعداد أن تتبعيني أم لا؟" "هل يمكِنُكَ إذن إكمالي أم لا؟ هل تسمح لي أن أستمتع ببركاتك؟" "هل أنت مستعدة أن تتبعيني حتى النهاية أم لا؟ هل أنت مستعدة أن تضحي بنفسك؟" "دعني أفكر بالأمر أكثر. المتباين يمكنه أن يتمتع ببركاتك ويمكنه أن يصبح كاملاً. وبعد أن أصبح كاملة ستجعلني من أحبائك وسأفهم إرادتك كلها، وسيكون لي ما هو لك. سأتمتّع بما تتمتّع به، وسأعرف ما تعرفه. يمكنني أن أتمتّع بالبركات بعد تحمّلي الشدائد وجعلي كاملة. لكن ما هي البركات التي سأتمتّع بها فعلاً؟" "لا تشغلي بالكِ بشأن أيٍّ من البركات ستتمتّعين بها إذ لن تقدري على تخيّلها حتى لو أخبرتك عنها. فبعد أن تكوني متباينة صالحة سوف أخضعكِ، لتصبحي متباينة ناجحة. وهذا نموذج وعيّنة للذين تم إخضاعهم، ولكن بالطبع يمكنك أن تكوني كذلك فقط بعد أن يتم إخضاعكِ." "عن أي نموذج وعيّنة تتحدّث؟" "عن نموذجِ وعيّنةِ كلِّ الأمم، أي الذين لم يتم إخضاعهم بعد." "وكم عددهم؟" "كثيرون. ليس فقط أربعة أو خمسة آلاف منكم، فكل الذين يقبلون هذا الاسم في العالم أجمع عليهم أن يتم إخضاعهم." "إذاً ليست فقط خمس أو عشر مدن!" "لا تقلقي بشأن ذلك الآن، لا تشغلي بالك كثيراً. فكّري فقط كيف عليك أن تدخلي في الوقت الراهن! وأنا أضمن لك بأن تصبحي كاملة." "إلى أية درجة سأصبح كاملة؟ وأية بركاتٍ سأتمتّع بها؟" "ما الذي يقلقكِ؟ أنا أضمن أنك ستصبحين كاملة، أنسيت أني جديرٌ بالثقة؟" "صحيحٌ أنك جديرٌ بالثقة، لكن بعض طرقك في الحديث تتغيّر دائمًا. تقول اليوم إنك تضمن لي كمالي، وغداً قد تقول إنه أمرٌ غير مضمون. وتقول لبعض الناس "أنا أضمنُ من كان على شاكلتكم أنه لا يقدر أن يصير كاملاً". لا أفهم سياق كلماتك. وببساطة لا أجرؤ على تصديقها." "هل يمكنك أن تضحي بنفسك أم لا؟" "أضحي بماذا؟" "أن تضحي بمستقبلك وآمالك." "أُف! نعم أستطيع أن أضحي بهذا! أكثر ما يعنيني هو لقب " متباينة " فأنا حقاً لا أريده. إذا قمتَ بنزع لقب " متباينة " عني سأتقبّل أي شيءٍ منك، وسأقدر على فعل أي شيء. أليست هذه أمورٌ لا قيمة لها؟ أيمكنك أن تأخذ مني تلك التسمية؟" "أليس من السهل جداً القيام بذلك؟ إذا كنت قادراً على أن أعطيكِ ذلك اللقب يمكنني أيضاً أن آخذه منك. لكن لم يحن الوقت بعد لفعل هذا، إذ عليك أن تُكمِلي خبرتك في هذه المرحلة من العمل، وحينها فقط يمكنك الحصول على لقبٍ جديد. أي شخصٍ يشابهكِ يحتاجُ لأن يكون متباينًا. كلّما كنت خائفة أكثر من لقب "متباينة" كلما لقّبتك به أكثر. يجب على شخصٍ مثلكِ أن يُعامَل ويؤدّب بصرامة. فكلّما كان الشخص أكثر تمرّداً، كان عامل خدمةٍ بالأكثر، ولن يكسب في آخر المطاف شيئاً." "ولكن لماذا لا يمكنني في سعيي هذا أن أتخلى عن الاسم المستعار "متباينة"؟ لقد تبعناك كل هذه السنين وعانينا كثيراً. فعلنا هذا وذاك لأجلك، خرجنا في مهب الريح والمطر. كلنا في أواخر العشرينات من أعمارنا وقد قارب شبابنا على الزوال. لم نتزوّج أو نكوّن عائلة، ومن فعل هذا منا خرج أيضاً معنا. تخلّيتُ عن فرصة التحاقي بالجامعة حالما سمعت أنك قد أتيت وأنا منهمكة في دراستي الثانوية. وأنت تقول إننا متباينين بعد أن تكبّدنا نحن خسائر كهذه! نقوم بكل هذا وينتهي بنا المطاف باعتبارنا مجرد "بطانتك"! كيف سيجعل هذا زملائي ورفاقي وأشقّائي يفكّرون بي؟ كيف لا أخجل إن جاوبتهم عندما يرونني ويسألونني عن منصبي وعن مكانتي؟ ما الذي سيعتقدونه عني؟ لقد دفعتُ في البداية أي ثمنٍ كان لأني آمنت بك، فسخر مني الآخرون قائلين إنني حمقاء. غير أني استمرّيت باتباعك تائقة أن يأتي اليوم الذي أُرشِدُ فيه كل أولئك الذين لم يؤمنوا. ولكن بدلاً من ذلك تقول اليوم إني متباينة. كنت سأكون أفضل حالاً لو أعطيتني أدنى الألقاب أو سمحت لي أن أكون من بني الملكوت. حتى وإن لم يكن لي المقدرة أن أكون تلميذتك أو صديقتك الحميمة يكفيني أن أكون أحّد تابعيك! لقد تبعناك كل هذه السنين مضحين بعائلاتنا، وكان من الصعب أن نستمرّ بالسعي إلى يومنا هذا، ولكننا لم نحصل إلا على لقب "متباينين"! لقد تخليتُ عن كل شيء لأجلك، تخليت عن كل الثروات الدنيوية. قبل سنتين عرّفني أحدهم على شريك حياة محتمل. كان جميلاً بالفعل وأنيق المظهر. كان ابن شخص ذو مقام رفيع. لم يكن لديه عملٌ جيد، كان سائقاً، لكنه كان حسنُ المظهر وكنت حينها مُعجَبَة به. ولكن حالما عرفت أنك كنت ستقودنا للملكوت وتكمِّلنا، وأنك طلبت منا أن نأخذ قراراً سريعاً بترك كل شيء خلفنا، حالما سمعت هذا عرفت أنني لا أملك أي قرار على الإطلاق! تصلّبتُ ورفضتُ الأمر. أرسلَ الشريك المحتَمَل هدايا لعائلتي عدة مرات، ولم أعرها أي اهتمام. ألا ترى أني كنت حينها منزعجة؟ فشلت في الحصول على هذا العطيّة الصالح. كيف لا أحزن؟ كنت لعدة أيام حزينة لدرجة أنني لم أستطع النوم ليلاً، ولكني أخيراً تركت هذه الفرصة تذهب عني. كان روحك يؤثّر فيّ كلما صليت، وقد قال لي: "هل أنتِ مستعدة أن تضحي بكل شيء لأجلي؟ هل أنتِ مستعدة أن تبذلي نفسك لأجلي؟" كلما فكرت في كلماتك تلك أجهش بالبكاء. تأثرت وبكيت حزينة مرّات كثيرة لا أقدر على عدّها. ثمّ جاء إلى بيتي أكثر من مرّة لم أشاهدهُ فيها أبداً. حتى أني الآن نسيت شكله، لا يمكنني التعرّف عليه. وبعد عام سمعت أنه قد تزوّج. ولا حاجة للقول بأني كُنتُ بائسة، غير أني تخليت عن هذا الأمر لأجلك. ضحّيت بذلك الزواج ناهيك عن أن مأكلي ومشربي سَّيئين. ضحّيت بذلك كله كي لا تطلب مني أن أكون متباينًا. آخرون قالوا بأن أبيه ذو شأن عظيم وسيمنحني وظيفة إذا ما تزوّجت ابنه. عذبت نفسي وأنا أفكّر بهذا الأمر وعانيت نصف شهر بسببه، ولكن في النهاية استطعت أن أخرج منه سالماً. لقد ضحّيت بزواجي لكي أقدّم نفسي لك، وكان هذا أهم حدث في حياتي! فحياة الإنسان تتجلى في الحصول على شريك جيد وتكوين عائلة سعيدة. تخلّيت عن الأفضل، والآن أنا وحيدة ويداي فارغتان. أين سترسلني؟ لقد عانيتُ الألم منذ أن بدأت في اتباعك. لم أنعم بحياة جيدة. ضحّيت بعائلتي ومهنتي وكل ملذّات الجسد. هل ما زال كل هذا الثمن الذي دفعناه جميعاً غير كافٍ لنتمتّع ببركاتك؟ وما حصلنا عليه هو لقب "متباين". لقد تجاوزت يا الله حدودك. انظر لحالنا، ليس لدينا ما نعتمد عليه في هذا العالم. لقد تخلى بعضنا عن أطفاله، والبعض الآخر تخلوا عن أعمالهم وشركاء حياتهم[6] وما إلى ذلك. تخلّينا عن كل ملذّات الجسد. ماذا علينا أن نأمل أيضاً؟ كيف يمكننا أن نبقى على قيد الحياة في هذا العالم؟ ألا يستحق هذا الثمن الذي دفعناه أي مكافئة؟ ألا ترى ذلك على الإطلاق؟ وَضعُنا متدنٍّ ولا مقدرة لنا. نعترف بهذا، ولكن متى ترانا لم نصغِ إلى ما تريدنا فعله؟ والآن أنت تتركنا بلا رحمة ومكافأتنا أن تدعونا " متباينين "؟ هل اقتنينا فقط بالثمن الذي دفعناه لقب[7] "ب متباينين "؟ سيسألني الناس في نهاية المطاف عما حصلتِ عليه من إيماني بالله. أيمكنني أن أتفوّه بكلمة[8] "متباين" أمامهم؟ كيف يمكنني أن أفتح فمي لأقول أني متباينة؟ لا أقدر أن أحدّث والدي بالأمر ولا حتى لمن كان يوماً شريكي المحتمل. وبسببك لا علاقة تجمعني بزملاء الإراسة. أرسلوا لي هدايا لكنني أعدتها كلها إليهم. وهناك البعضُ مِمَّن أرسلوا لي الكثير من الأشياء التي رفضتها وليسوا الآن على استعداد أن يتواصلوا معي. لقد تخلّيت عن كل هذه الأمور وما عدت أقيم اعتباراً للمعاملات الدنيوية. دفعت ثمناً باهضاً كهذا، وما أحصل عليه في المقابل هو لقب " متباينة "! أُف! أشعر بالأسى الشديد!" (ضربت على ساقيها وأجهشت بالبكاء). "لو قلتُ لكِ الآن إنني لن أعطيك لقب[9] "متباينة" وسأجعلك من شعبي وأرسلك لتبشّري بالإنجيل. إذا ما منحتك منصباً لتعملي هل ستقدرين على إنجاز عملك؟ ما الذي اكتسبتِهِ من اتباعك لهذا العمل خطوةً خطوة؟ وقد رويت قصّتك، ألا تخجلي من هذا؟ تقولين إنك دفعت ثمناً دون الحصول على مقابل. أهذا لأني لم أخبرك ما هي شروطي لأقتني شخصاً ما؟ ولمن أقوم بالعمل؟ هل تعرفين؟ إنك تفتحين جروحاً قديمة! هل تعتبرين إنساناً بما يَكفي؟ هل تألمت لأنك رغبت بذلك؟ ألم يكن ألمك لتحصلي على البركات؟ هل استوفيت شروطي؟ فكل ما تبتغينه هو أن تحصلي على البركات. ألا تخجلي من هذا؟ متى ألزمتك بشروطي؟ إذا كنت مستعدةً أن تتبعيني فعليك أن تطيعيني في كل شيء. لا تتحدثي عن شروطٍ. قد أخبرتك مسبقاً أن هذا الطريقَ طريقٌ للألم محفوفٌ باحتمالات قاتمة مع قليلٍ من السعادة. أنسيتِ؟ لقد قلت هذا مرّات عديدة. إن كنتِ على استعداد أن تعاني فاتبعني، وإن لم تكوني كذلك فتوقفي. أنا لا أجبرك فأنت حرّةٌ في المجيء أو الذهاب! ومع ذلك، فهذه هي طريقتي في العمل، ولا يمكنني أن أُأَجّل عملي بأكمله بسبب عصيانك أنت. قد لا تريدي أن تطيعي، لكن غيرك يريد. كلّكم يائسون! لا تخافون شيئاً! تناقشوني في شروطكم، أتريدون الاستمرار بالحياة أم لا؟ أنتم تخطّطون لأنفسكم وتتدافعون للشهرة والغنيمة. أليس عملي لأجلكم جميعًا؟ هل أنتم عميان؟ كان يمكن لهذه الكلمات أن تُغتَفَر قبل أن أتجسّد لأنكم لم تقدروا أن تروني، ولكني الآن متجسّدٌ وأعمل بينكم وما زلتم لا ترون؟ ما الذي لا تستطيعون فهمه؟ تقولون إنكم قد عانيتم الخسارة، غير أني لأجل هذا تجسّدتُ وأنجزتُ الكثيرَ أيها اليائسون لأخلّصكم، وحتى الآن مازلتم تشتكون – هل ستقولون إنني تألمت؟ أليس ما فعلته هو لأجلكم؟ هذا اللقب الذي أعطيه للناس يعتمد على مكانتهم الحالية. إذا ما دعيتكم " متباينين " فأنتم متباينون في الحال. وإذا دعيتكم "شعب الله" فأنتم شعب الله في الحال. مهما أدعوكم فأنتم كذلك. أليس كل شيء كما أقول؟ أيغضبكم كلامي هذا؟ حسناً، أستسمحكم عذراً! إذا لم تطيعوا الآن فستُلعَنون في الآخرة، أستسعدون حينها؟ أنتم لا تعيرون طريق الحياة اهتماماً إنما تركّزون فقط على منصبكم وألقابكم، فما هي شكل حياتكم؟ لا أنكر أنكم قد دفعتم ثمناً باهضاً، ولكن انظروا إلى منزلتكم وممارساتكم، فحتى الآن ما زلتم تناقشون أحوالكم. هل هذه هي المنزلة التي نلتموها لتحلّوا عقدكم؟ أية نزاهة ما زلتم تتحلّون بها؟ أي ضميرٍ لديكم؟ هل أنا من اقترف أمراً أثيماً؟ هل كانت متطلباتي لكم مُجحِفة؟ أياً منها؟ أردتكم أن تتصرّفوا كمتباينين لبضعة أيام ولا تريدون فعل هذا. أيّ حلٍّ هذا؟ فجميعكم ضعيفو الإرادة وجبناء! ومعاقبةُ أناسٍ مثلكم هو بالطبع أمرٌ واردٌ!" وحالما قلتُ هذا، لم تنبس هي ببنتِ شفة.

   اختباركم لعملٍ كهذا يعطيكم فهماً لخطوات العمل وطرقِ تغيير الناس. وهذه هي الطريقة الوحيدة لتحققوا نتائجَ في التغيير. لديكم في سعيكم الكثير من المفاهيم الفردية والآمال والخطط المستقبلية. أما العمل الحالي فهو من أجل التعامل مع رغبتكم في المكانة المرموقة وكذلك رغباتكم الجامحة. كلُّ المفاهيم والآمال والرغبة في[10] المقام الرفيع هي صورٌ معروفة لتدبير الشيطان. وسببُ وجود هذه الأشياء في قلوب الناس هو تماماً لأن سم الشيطان قد نخر أفكارهم فأصبحوا عاجزين عن التخلص من إغراءاته. يعيش الناس وسط الخطيئة ولا يعتقدون أنها كذلك، ولا يزالون يؤمنون: "إننا نؤمن بالله، فعليه أن يغدق علينا البركات وأن يرتّب أمورنا بما يليق. نحن نؤمن بالله، ولذلك يجب أن نكون أسمى مقاماً من الآخرين، ويجب أن يكون لنا منصب ومستقبل أفضل من أي شخص آخر. ولأننا نؤمن بالله عليه أن يهبنا بركات غير محدودة، وإلا فلا يمكننا أن ندعو هذا الأمر إيماناً بالله." لسنوات عديدة، كانت أفكار الناس التي اعتمدوا عليها لبقائهم على قيد الحياة تتلف قلوبهم لدرجة أنهم أصبحوا خونة وجبناء ووضعاء. لا يفتقرون لقوة الإرادة والعزم فحسب، إنما أصبحوا أيضاً جشعين ومتغطرسين وعنيدين. هم يفتقرون تماماً لأي عزمٍ يتجاوز الذات، وبالأكثر، ليس لديهم أية شجاعة للتخلّص من قيود هذه التأثيرات المظلمة. أفكار الناس وحياتهم فاسدة، ووجهات نظرهم فيما يخصّ الإيمان بالله لا تزال قبيحة بشكل لا يطاق، وحتى عندما يتحدثون عن وجهات نظرهم فيما يخص الإيمان بالله بكل بساطة لا يمكن احتمال الاستماع إليها. الناس جميعاً جبناء وغير أكفّاء وضعاء وكذلك ضعفاء. لا يشعرون بالاشمئزاز من قوى الظلام، ولا يشعرون بالحب للنور والحق. إنما بدلاً من ذلك يبذلون قصارى جهدهم للابتعاد عنهما. أليست أفكارك الحالية ووجهات نظرك على هذا المنوال؟ ولسان حالك يقول: "بما أنني مؤمنةٌ بالله فعلى الله أن يُغدِقَ عَليَّ بالبركات وأن يَضمَنَ مكانتي الأسمى من مكانة غير المؤمنين." لم تحتفظي بمنظورٍ كهذا لسنة أو سنتين إنما آمنت به لسنين عديدة. عقلية معاملاتك متخلفة. وعلى الرغم من أنك قد وصلت إلى هذه المرحلة لم تتركي بعد أمرَ المكانة إنما تستمرّين في السعي للاستفسار عنها وترصُّدها بصورة يومية، مسكونةً بخوفٍ عميقٍ أنك ستخسرين مكانتك يوماً ما وسيُبادُ اسمُك. لم يتخلَّ الناس عن رغبتهم في حياة أسهل. إن كنت تؤدّبين بهذا الشكل في الوقت الراهن فأي مستوى من الفهم ستتمتعين به في نهاية المطاف؟ ستقولين إنه على الرغم من أن مقامك ليس برفيعٍ لكنك تمتّعت بتزكية الله لك. لم يكن لك مقامٌ لأنك وُلِدتِ وضيعة، وقد مُنِحتِ مقاماً بسبب تزكية الله لك، أي أن الله هو من وهبك إياه. أنت اليوم قادرة شخصياً على أن تحصلي على تدريب الله وتأديبه ودينونته، وبالأكثر أن تُزكَّي منه. أنت قادرةٌ أن تُطهَّري وتُضرَمي منه. هذي هي محبة الله العظيمة. لم يُطهِّر اللهُ أو يضرمُ أحداً على مرّ العصور، ولم تجعل كلمتُه أيّاً كان كاملاً. الله يتحدث معك الآن وجهاً لوجه ويطهّرك مظهراً عصيانك الداخلي وفي هذا حقاً تكمن تزكيته. ماذا يمكن للناس فعله؟ فيما إذا كانوا أولاد داود أم أحفاد موآب، باختصار، الناس قد خلقوا كائناتٍ تفتقد لما تتباهى به. ولأنكم مخلوقات الله عليكم تأدية واجب المخلوق، ولا شرط عليكم غير هذا. وقد تصلّون قائلين: "يا الله! فيما إذا كان لي مقامٌ أم لا، أنا الآن أعي نفسي. إذا كان مقامي رفيعاً فهذا بسبب تزكيتك، وإذا كان وضيعاً فهذا بسبب ترتيبك. فالكلّ في يديك. لا أملك خياراتٍ أو لدي شكاوى. أنت أمرت بأن أولدَ في هذا البلد وبين هؤلاء الناس، وعليَّ أن أكون فقط مطيعةً تحت سلطانك بالتمام لأنْ لا شيء يخرج عن أمرك. لن أهتمّ بالمقام، فأنا لست إلا أحّد كائنات الخلق. إذا ما طرحتني في الهاوية التي لا قعر لها وبحيرة النار والكبريت فأنا لست إلا مخلوقاً. أنا مخلوقٌ إذا ما استخدمتني، ومخلوقٌ إذا ما كمّلتني. وإذا لم تكمّلني سأبقى أحبك لأني لست إلا مخلوقاً. لست إلا مخلوقاً صغيراً، أحّد البشر المخلوقين الذين خلقه رب الخلق. أنت من خلقتني، وقد وضعتني مرّة أخرى في يديك لأكون تحت رحمتك. أنا مستعدةٌ أن أكون لك أداتك ومتباينة لك فكل شيء محكومٌ بأمرك ولا أحد يستطيع تغييرَهُ. كل الأشياء والأحداث هي في يديك." عندما يحين ذلك الوقت، لن تهتمّي بأمر المقام إنما ستنفضينه عنك. عندها فقط سيكون لديك القدرة على السعي بثقة وجرأة، وعندها فقط سيكون قلبك حراً من أي قيد. بمجرّد أن يُنتَشَل الناس من هذا الأمر ويتحرّروا منه، لن يَعتريهم القلقُ فيما بعد. عمّا يَقلَقُ غالبيتُكم الآن؟ أنتم مقيّدون بأمر المكانة دائماً وتبحثون على الدوام عن الفرصِ الشخصية. تمسكون الكتب وتقلّبون الصفحات دون أن تروا ما قد قيل فيها عن وجهة البشرية. تنظرون فيها أكثر قليلاً ومع ذلك لا تجدون الجواب. أنتم تفكّرون[11]: "كيف لا يمكن أن يكون هناك آفاق؟ هل يمكن أن يكون الله قد أخذ تلك الآفاق؟ لا يمكن أن يكون الأمر كذلك! لما لا يكون هناك أيٌّ منها؟ إذا كان الله لا يتحدّث إلا عن المتباينين، أيعني هذا أن ليس هناك أمرٌ آخر؟ أنتم الآن أتباع، وتتحلّون ببعض الفهم لهذه المرحلة من العمل. ولكنكم لم تتخلوا بعد عن رغبتكم باعتلاء المناصب. تسعون جيداً إذا كان مقامكم رفيعاً، ولكن إن كان وضيعاً لا تسعون أبداً. تفتكرون دائماً بمزايا اعتلاء المقامات الرفيعة. لماذا لا يستطيع أغلبية الناس الخروج من الشعور بالسلبية؟ أليست آفاقكم المظلمة هي السبب في ذلك؟ حالما يفصح الله عن أقواله تسرعون لتعرفوا ماهية مكانتكم وهويّتكم. تضعون المكانة والهويّة في المقام الأوّل وأمرُ الرؤية في المقام الثاني، وما عليكم الشروع به في المقام الثالث، وإرادة الله الحالية في المقام الرابع. تنظرون أولاً لتروا فيما إذا كان لقب الله لكم كمتباينين قد تغيّر أم لا. تقرؤون كثيراً وعندما تجدون أن لقب "متباين" قد أزيل عنكم تشعرون بالفرح وتشكرون الله باستمرار وتمجّدون قوته العظيمة. ولكن حالما تلمحون أنكم ما زلتم متباينين تستاؤون وعلى الفور تفتقدون لأي دافع في قلبكم. كلما سعيتم بهذه الطريقة كلما بالشّح جنيتم. وكلما عظمت رغبة الشخص في الوصول لأعلى مكانة كلما كان التعامل معه أكثر جديّة ووجبَ خضوعه للصقلِ أكثر. ذلك النوع من الأشخاص لا قيمة له كثيراً! يجب التعامل معهم والحكم عليهم بشكل مناسب ليتخلّوا عن رغبتهم تماماً. إنْ استمرّيتم بالسّعي هكذا حتى النهاية فلن تجنوا شيئاً. الذين لا يطلبون الحياة لا يمكن تغييرهم. والذين لا يتعطّشون للحق لا يحظون به. أنت لا تهتمّ بطلب التغيير الشخصي واتباعي، إنما تهتمّ دائماً بتلك الرغبات الجامحة والأمور التي تقيّد محبتك لله وتمنعك عن الاقتراب منه. هل يمكن لهذه الأمور أن تغيّرك؟ هل يمكنها أن تُدخِلَك الملكوت؟ إنْ لم يكن البحث عن الحق هو الهدف من سعيك، يمكنك اغتنام الفرصة أيضاً والعودة للعيش في العالم. إضاعة وقتك بهذا الشكل لا يستحق العناء حقاً، لماذا تعذّب نفسك؟ ألا يمكنك الاستمتاع بأمورٍ كثيرة في العالم الجميل؟ المال والنساء الجميلات والمناصب والغرور والعائلة والأطفال وهلمّ جرا. أليست منتجات العالم هذه كلها أفضل ما يمكن أن تستمع به؟ ما الفائدة من تجوالك هنا باحثاً عن مكان يمكنك أن تكون فيه سعيداً؟ ليس لابن الإنسان مكانٌ يُسنِدُ فيه رأسه، فكيف يكون لك مكانٌ للراحة؟ كيف يمكنه أن يخلق لك مكاناً جميلاً يمنحك الراحة؟ هل هذا ممكنٌ؟ بغض النظر عن دينونتي، يمكنك اليوم أن تتلقى فقط تعاليم الحق. لا يمكنك اكتساب الراحة مني ولا الحصول على العيش الرغيد الذي تفكّر به ليل نهار. لن أغدق عليك ثروات العالم. إذا ما سعيت بصدق أنا على استعداد أن أهبك طريق الحياة كلها لتحيا ثانية كالسمك الذي تم إعادته إلى البحر. وإذا لم تسعَ بصدقٍ، فسأستردّها جميعاً. لستُ على استعداد للتفوّه بكلماتي لأولئك الباحثين بنهم عن الراحة، المشابهين للخنازير والكلاب!
من "الكلمة يظهر في الجسد"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق